نساء سوريات قصة لم تكتمل


 

شكلت الحرب في سوريا واقعاً مأساوياً بعد ان جاءت إثر الحراك الثوري السوري استجابة لحركات احتجاجية سلمية واسعة النطاق، ومظاهرات عارمة انطلقت من تونس لتعم عواصم ومدن معظم البلدان العربية.

وعمت المظاهرات الصاخبة والاحتجاجات المفاجئة المدن السورية الرئيسية، وتوسعت لتصل الميادين العامة والارياف؛ في بلد كانت تعتبر فيه حرية الرأي والتعبير والاحتجاج منالا يتعذر بلوغه.

وقام قطاع واسع من الشباب السوري بحمل السلاح والانخراط في الحرب، وقاتل رجال فصائل المعارضة المسلحة القوات الحكومية بقوة، بينما انضمت بعض النساء للمشاركة في القتال، وقد قمنا بمتابعة مجموعة نسائية مسلحة تقاتل القوات الحكومية على احدى الجبهات المتقدمة في حلب القديمة ورصدنا المتاريس التي اقيمت في شوارعها القديمة والاشتباكات من داخل معالمها التاريخية  المدمرة التي تحولت  الى سواتر يحتمي خلفها المتحاربون، حيث قمنا بتوثيق لحظات الاشتباك المسلح بين مقاتلات من كتيبة “امنا عائشة” النسائية وقوات الحكومة السورية على قلعة حلب إحدى أقدم وأكبر القلاع في العالم، بعد ان شن الطيران الحربي غارات متعددة على المدينة القديمة، حيث تقوم المعتقلة السابقة في السجون السورية مروة موصلي بمساعدة زوجها المهندس سامر الذي كان يقوم بمحاولة انتاج صاروخ مضاد للطائرات في منزلة القديم بحلب القديمة.

 

استمرت دوامة العنف في سوريا  وسط دمار هائل، وكثر عدد المصابين والقتلى بسبب القصف الجوي، مما دفع ثلاث فتيات سوريات للانضمام الى عناصر الدفاع المدني للقيام بأعمال الإنقاذ والمساعدة الطبية للعالقين تحت الأنقاض.

وحولت الحرب الفتاة  المعلمة حسنى الى منقذة وممرضة في الدفاع المدني، وشاركتها طالبة الحقوق ايباء وميساء لتسير حسنى بين حطام مدرستها وتستذكر اجمل ايامها مع طلبتها.

خلفت الحرب أزمة كهرباء ووقود في سوريا والتي بدأت مع بداية الحرب السورية، ولجأت الأسر للطهو باستخدام الحطب، ووجدت المسنة الحاجة مروش نفسها مضطرة الى العودة لاستخدام الحطب في الطهو والتدفئة.

سافرنا الى مدينة سراقب في الجنوب الشرقي من إدلب حيث تقوم  الشابة صفاء بالغناء للثورة السورية، ووالدها من يكتب لها الأغاني والاناشيد ويقوم بالعزف على الة العود، وقبل ان نغادر الى قرية  أطمة  التي تقع في محافظة إدلب من الحدود مع تركيا ونلتقي مع الشابة الصغيرة سنا والتي أسست فرقة من أطفال المعتقلين في السجون السورية وعملت على تدريبهم على الرقص والغناء واعمال المسرح، ليقدموا العروض بإمكانيات بسيطة ويجولوا في مخيمات النازحين عبر العروض المسرحية والاناشيد والرقص ويتفاعلوا مع الأطفال  في بلد غارق في حرب أهلية طاحنة حيث الأطفال يمثلون نسبة كبيرة من الضحايا المدنيين خلال الحروب

ومع تكثيف الجهود لحماية النساء والأطفال من معاناة الحرب اشتدت الهجمات وعمليات القصف الجوي وادى التدخل العسكري الروسي الى زيادة وتيرة الهجمات الجوية العنيفة على مناطق سيطرة المعارضة وطالت الهجمات الجوية عدة مشافٍ ومراكز طبية، وتسببت هذه الهجمات في تعطيل المرافق الطبية وتدمير مستشفيات، حيث تعرضت مستشفى أطباء بلا حدود  في معرة النعمان الى تدمير كامل نتيجة الهجمات الجوية وكانت من بين المصابين الممرضة ايباء؛ ليعود أسامة جمعة سريعا لزيارتها في منزلها مع رفيقاتها حسنى وميساء ليواصل أسامة متابعة عملهن في المشافي في ظل العلميات الحربية والقصف الجوي العنيف.

تعرف الصحفي مدين ديرية منذ بداية الثورة السورية على عائلة أسامة، التي كانت تستضيفه لفترات طويلة حين ذهابه إلى سوريا لتغطية الأوضاع هناك، حيث كانت عائلةً مضيافة ولطيفة جداً مع مدين .

أسامة منذ صغره كان يبدي أهتماماً وشغفا كبيراً في كاميرات مدين، حيث اعرب له عن رغبته في تعلم كيفية استخدامها في الوقت الذي كان فيه مدين مقيمًا مع عائلته .

 

 

 

تدرب أسامة في تركيا في مجال الصحافة والتصوير وكذلك إنتاج الأفلام الوثائقية مع وكالة IMAGESLIVE

كما تدرب على الأرض في سوريا من قبل مدين ديرية، والذي كان يركز في تدريبه إلى حد كبير على ضرورة الاستقلال والحيادية والموضوعية بالإضافة إلى سلامة الصحفي أثناء تغطية الأخبار .

 

 

 

كما شدد أيضاً على واجب الصحفيين في إظهار كافة الأطراف المشاركة في الصراع دون تبني أي وجهة نظر معينة .

وكان أسامة مستوعباً مبادئ الصحافة بسهولة بالغة بخلاف العديد من الشبان السوريين الآخرين، ولم ينضم أسامة لأي من الفصائل المتحاربة او اي حزب أو منظمة خلال الصراع السوري، وبالتالي المحافظة على نهج غير منحاز للصراع، الأمر الذي انعكس في حياديته ومهنيته العالية كصحفي.

واصل أسامة تصوير ما بدأه مدين بتوثيق ومتابعة قصة نساء سوريات،  وسافر الى عدة مناطق لمتابعة ومعاينة يومياتهن في الوقت التي كانت تتعرض مدينة حلب الى حملة قصف مكثفة من الجو والبر.

وفي الخامس من حزيران عام 2016 م، ذبلت زهرة من زهور سوريا .

قتل الصحفي أسامة جمعة إثر إصابته بشظايا قذيفة أطلقتها مدفعية النظام السوري في حي المشهد في حلب.

وكان أسامة قد ذهب إلى ذلك الحي لتصوير عملية إنقاذ الناس العالقين تحت الأنقاض بعد القصف بالبراميل المتفجرة .

استقل أسامة سيارة الإسعاف المتوجهة الى مكان القصف، وبمجرد وصولها تعرضت للقصف بالقذائف فأصيب أسامة الذي كان بداخلها، وعندما حاول السائق المسعف عبدالعزيز سرحة إنقاذ أسامة سقطت قذيفة أخرى لتودي بحياتهما معاً.

الصحفي الشاب النزيه أسامة الذي كان شجاعاً ومستقلاً للغاية كان يتمتع بإنسانية عظيمة وعاطفة جياشة.

فقد أسامة حياته وهو في ربيع العمر في العشرين من عمره، حيث ولد في حلب – سوريا، وسرعان ما غادر رفقة عائلته ووالده الذي كان معلماً في إحدى مدارس المدينة ليسكن في قرية تقاد الواقعة غربي حلب.

وقد أصر أحد أقاربه على استرجاع جثته على الرغم من خطورة المرور بطريق الكاستيلو الذي يتعرض للقصف بنيران المدفعية والغارات الجوية.

وقد سبق ان انجز أسامة عدة تقارير عن طريق الكاستيلو قبل ايام من مقتله، وبسبب القصف الشديد بالمدفعية الثقيلة والصواريخ الذي شهده الطريق لقب ( الطريق إلى الموت).

وللأسف…عبر جثمان أسامة الطاهر من هذا الطريق ليوارى الثرى في قريته التي احبها وعزم الى ان يعود اليها بعد ان قرر الرجوع للوطن الام سوريا رقيقا مثل اوراق الياسمين، يحمل هموم واوجاع اهله ومعاناة اطفال بلده التي مزقت اجسادهم طائرات الموت واسلحة الفتك ورصاص القتل ليقف شامخا عاليا الرأس يحدق بالكاميرا ويرسم كل لحظة تحكي قصص وحكايات الحرب والدمار والخراب وآلام الاطفال وجراح وطن .

رحل عنا أسامة وفقدناه، لحقناه ووجدنا أن الصورة التي نقلها تبقى وتعيش في الوجدان والضمير وتظل ماثلة في العقول والقلوب وشاهد حقيقي على بشاعة الحرب والقتل.

عادت كاميرا أسامة مكسورة، واخر ما خرج منها ما صوره قبل لحظات من مقتله، حيث كان السائق المسعف عبدالعزيز سرحة يطلب عبر الراديو من الجميع الاحتماء من القصف المدفعي.

حاور أسامة نساء الدفاع المدني والتقى صفاء وهي تنشد انشودة نظمها لها والدها عن عمليات القصف الروسي الأخير، وقد كان قبل ان يقتل على موعد مع المقاتلات، وجال أسامة في المدن يصور عمليات انقاذ الأرواح على ايدي نساء الدفاع المدني، غير ان القصة لم تكتمل بعد ان خبت كاميرا أسامة…..

ثم تغيرت خارطة المناطق والسيطرة عليها وقتل عدد من المقاتلات، واما الحاجة مروش فقد وافتها المنية، وهاجرت سنا بعد ان تزوجت، وخرجت مروة موصلي مع زوجها واطفالها من حلب الى مدينة الباب ولم يعرف ما قد حل بشخصيات باقي القصة وما كان مصيرهم بعد أفول شمس أسامة.